(عجينة طرية)
نظرت إليهم طويلا،تفحصتهم واحدا واحدا وهم عنها لاهون،هم بذورها التى استودعتها باطن الأرض وهى موشكة على ان تستودعهم لدى الذى لاتضيع ودائعه، تعرف ذلك فحسب، تشعر به في خفقات قلبها وشهيقها وزفيرها، تعرف انهم سيعانون بعدها، ستبدى لهم الدنيا ماكان خافيا من وجهها، يستأ سد عليهم من كان يخاف من مجرد الاقتراب منهم، تعرف الحلقة الأضعف وكيف ستنهار تحت وقع فؤوس حاقدة تحفظ وجوه أصحابها وحركاتهم وسكناتهم وما يستوطن قلوبهم المظلمة، لكن سيكون قد حيل بينها وبينهم بجدار أبدى، تنظر الى حلقتها الأضعف، ترى عيناه يترقرق فيها شئ ما، كان يرقبها باشفاق ومحبة، كان يعرف بطريقة ما أنها تتفحص الوجوه بتمهل مودع، وكان يستطيع دوما دخول أعماق عقلها وقراءة مافيه،وكان يستسلم لها طائعا، كان ذلك أجمل مافيه وأضعف مافيه، فحين تغيب بوصلته لايعود يعرف أبدا اتجاه الرياح، وسرعان مايسلم الدفة لأول من ينازعه فيها، تنظر الى الأب، الطفل الكبير،كم كان طيعا مثل ابنه البكر،لمع الخاطر المروع فى ذهنها، حين تغيب غيبتها الأبدية، ستنتقل عجينتها الطرية الى أياد لاتعرف رحمة ولاعدلاً ولا تدير الدفة سوى فى اتجاه وحيد فقط، ياآلهى... قضى الأمر، يا للهول، من لبذورى بعدى؟! يجيبها صمت وتدور عيناها من جديد فى الوجوه بلا كلل.جرت الدموع الى الداخل،فهَمَتْ عينُاها.
(الجب )
تتذكر، كان نجمه قد بدا يلمع،طالبا نجيبا خرج من بيت صغير لرجل بسيط هو حبله المتين للنجاة من الغرق، كانت هى والأب يسويان الأرض من الفجر الى المغيب، يعدان بذرتهما بحرص،( نم، قم،كل، صل لرب العالمين، لاتأخذ شيئا ليس لك،أغسل ملابسك بنفسك، العمل ليس عيبا، ) كان هو يشق طريقه كمدية، عمل في العطلات و قرأ بالليل تحت لمبة الجازوعمود النور، بمعدة خاوية وهمة عالية،وحين أينعت الثمرة دارن حولها كالفراش لامتصاص الرحيق، تتذكرها دونهن جميعا، نحيلة شاحبة خفيضة الصوت، تخاطبها همساً وعينها على شمعتها الوحيدة،كانت ترى الهمس فحيحاً وخفض الصوت زئيرا، والخطو الوئيد انقضاض صقر على فريسة،أما هو فلم يك يرى سوى ما أرادت النمرة الهرة الصقر أن يرى، غافلا نحو جحرها مضى ، ولقد هَمَّت به وهمَّ بها،لم يسمع الصيحة ولم ير!!آه....آه....قلبى عليل وحيلتى قليلة...................
قضى الأمر...يا للهول...من يحمى بذورى من الغرق!!!
( الحصان والسائس)
كانت الشجرة قد بدأت ثمارها تتفتح للتو،حين علا همس عن زواج،قطبت جبينها، ثم عادت ورسمت ابتسامة وقالت لنفسها( اللعنة عليك ياقلبى، لاتطاوعنى دوما ساعة الشدة، تؤنبنى ، ثم تتركنى فوق الجمر) قالت له( أنت ترى،( ولم يك يرى)، أنت تعلم أن اخوتك كلهم في رقبة أبيك ، هو يحتاج عونك، لايزال الوقت مبكرا،)...لكن عربة الأحلام المدفوعة بأياد لاترى، مضت سريعا نحو آخر الشوط، بات الحصان وحيدا مع السائس في الاسطبل. ثم بات يركض بلاكلل فى ديربى لاينتهى مع فارس وحيد لايترك ظهره أبدا، كعادة الأمهات ( غير المكتسبة ولا الموروثة) غابت هى عن المشهد بفعل فاعل.( ياآلهى: كيف تركت الحصان والمقود وساحة السباق؟! كيف تركت الجمل بماحمل؟؟؟!)
(نبوءة)
تراهم ، ظامئين،متشققى الشفاه، والجمل يمضى بما حمل بعيداً،مثل ظل شجرة بخيلة ‘يحرم نفسه على أهله،وتراها ساحرة تمتطى مكنستها وتحلق بلا توقف، تزرع بذوراً سوداء بينهم وبين(الملقى فى الجب)،يأتون أباهم عشاء يبكون،فيقول الملقى في الجب لأبيه(أكل الطير والسابلة قمحهم ، والعام عام جوع!!) ثم ينحنى ليخبئ عنهم حنطته، وهى تحلق في سماء ملبدة بالغيوم بلا جدوى، فقد انقطع حبل الكلام.يا آلهى ....ماذا فعلت؟!فى هذه المرة : همت السماء بدمع غزير، حين لامسته ونظرت اليه: كان أحمراً قانيا!!
(جنته)
دخل جنته،مزهواً كان،فيه بقية منه لاتزال باقية، فأخذ الأب معه،كانت الهرة ممتعضة،كان الأب عصفورا فى قفص من ذهب،ألقت الهرة قميصا على وجهه،ذهب البصر،بات الذى هو من صلبه ضيفاً ثقيلا فى نظره،ذات صباح تم تحرير الجنة من العصفور،تنهدت الهرة تنهيدة راحة وهى تتحسس مخالبها الطويلة ،بقى الحصان فى قفص من ذهب، ظل يهتف من غير داع: ( مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. )، فى اللحظة ذاتها كانت دمعة العصفور تقذف شواظا من لهب( وهو لايرى..!!!)
(صورته)
كانت ترى العصفور الآن، وحيدا، حقيبته فى يده،يتجول فى الشوارع وحيدا،يستظل بشجرة تعصمه من الشمس،شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ترى أخوة الذى كان فى حجرها وبات فى جحرها،تراهم يحلقون جميعا نحو الشجرة، يحملون في المناقير سكراً وشاياً وبرتقالاً، يتبسم العصفور، تتمدد الشجرة، تظللها غمامة،تزقزق العصافير بلا توقف، ثمة دخان بعيد متصاعد،تهمى عيناها،تنام ملء جفونها.
صلاح الدين سر الختم على
مروى
الأول من ديسمبر 2013